كيف تلعب النفسية دور في تغذية الجسم؟

مقدمة
تعتبر التغذية السليمة والمتوازنة أمرًا حيويًا للحفاظ على صحة الجسم والعمل السليم للأعضاء والأنظمة، وعندما نتحدث عن التغذية، غالبًا ما نفكر في العناصر الغذائية والسعرات الحرارية والفيتامينات، ومع ذلك، هناك عامل مهم قد يتم تجاهله بشكل غير عادل وهو العامل النفسي.
إن العقل والجسم لا يعملان على انفصال تام، فهما مترابطان ومتأثران ببعضهما البعض، إذ يؤثر العامل النفسي، وبالتحديد النفسية، بشكل كبير على تغذية الجسم وكيفية استيعابها واستفادته منها، حيث قد يكون الضغط النفسي والقلق والاكتئاب وتوتر الحياة اليومية عوامل تؤثر في العادات الغذائية والتغذية العامة للفرد. في هذا المقال، سنستكشف كيف يلعب العامل النفسي دورًا حاسمًا في تغذية الجسم و سنناقش تأثير العواطف والمزاج على اختياراتنا الغذائية وكيف يؤثر الإجهاد والتوتر على عملية الهضم وامتصاص العناصر الغذائية.
تأثير العوامل النفسية على تغذية الجسم
تلعب العوامل النفسية دورًا حاسمًا في تغذية الجسم، وقد يكون لها تأثير كبير على عاداتنا الغذائية وسلوكنا تجاه الطعام، و أحد العوامل النفسية التي يمكن أن تؤثر على تغذية الجسم هي العواطف، حيث قد يتغير نمط تناول الطعام واختيارات الأطعمة بناءً على المشاعر والمزاج، فعلى سبيل المثال، قد يلجأ البعض إلى تناول الأطعمة العالية بالسعرات الحرارية والدهون المشبعة عند الشعور بالحزن أو التوتر، و هذا ما يعرف بـ “الأكل العاطفي”. وقد يكون لدينا الرغبة في تناول الحلويات أو الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات عند الشعور بالضغط النفسي، بالإضافة إلى العواطف، يمكن أن يؤثر الإجهاد والتوتر النفسي على تغذية الجسم، فعندما نشعر بتأثر النفسية، قد يكون لدينا تميل للتناول الزائد للطعام أو اللجوء إلى الأطعمة ذات القيمة الغذائية المنخفضة مثل الوجبات السريعة أو الوجبات الجاهزة، و هذا يؤدي إلى الزيادة في الوزن ومشاكل صحية أخرى.
تأثير التوتر والقلق على الأكل
يعيش الكثيرون منا حياة مليئة بالتوتر والقلق، سواء بسبب الضغوط العملية أو الشؤون الشخصية، وقد يكون لهذه العوامل النفسية تأثير كبير على عاداتنا الغذائية ونمطنا في تناول الطعام، فعندما نشعر بالتوتر والقلق، يحدث تفاعل في الجسم يؤثر على النظام الغذائي، و قد يزيد التوتر والقلق من الرغبة في تناول الطعام، خاصة الأطعمة الغنية بالسكر والدهون، و هذا يعرف بـ “الأكل العاطفي”.
يلجأ الشخص إلى تناول الطعام للتخفيف من الضغط النفسي وتهدئة العواطف،و عادةً، يتم التماس الراحة في الأطعمة العالية بالسعرات الحرارية والمنخفضة في القيمة الغذائية، مثل الحلويات والأطعمة المقلية، وبالتالي يمكن أن يؤدي التوتر والقلق المستمر إلى زيادة الوزن ومشاكل صحية أخرى.
علاوة على ذلك، يؤثر التوتر والقلق أيضًا على عملية الهضم، فعندما نكون في حالة توتر، يتم إطلاق هرمون الكورتيزول في الجسم، والذي يؤثر على عملية الهضم و امتصاص العناصر الغذائية، و قد يتسبب التوتر في إبطاء عملية الهضم وتقليل القدرة على امتصاص العناصر الغذائية الأساسية التي يحتاجها الجسم، وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى نقص فيتامينات ومعادن مهمة مثل فيتامين سي والمغنيسيوم وحمض الفوليك.
العادات الغذائية والصحة النفسية
ترتبط العادات الغذائية بشكل وثيق بالصحة النفسية، فعندما يتعلق الأمر بالعقل والجسم، فإنهما يعملان معًا كنظام واحد متكامل وبالتالي يمكن أن يؤثر نظام الغذاء الصحي على الصحة النفسية وعكسها، حيث أن تناول الطعام الصحي والمتوازن يمكن أن يساهم في تعزيز الصحة النفسية. كما أن العناصر الغذائية مثل الفيتامينات والمعادن والأحماض الدهنية الأساسية تلعب دورًا هامًا في دعم وظائف الدماغ والحفاظ على التوازن النفسي، فعلى سبيل المثال، يمكن أن يكون لفيتامين ب الموجود في الأطعمة مثل الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة تأثير إيجابي على الصحة العقلية والتركيز، بالإضافة إلى ذلك العادات الغذائية السليمة يمكن أن تؤثر على مستوى الطاقة والمزاج؛ فتناول الطعام الصحي يمكن أن يساعد في منحنا الطاقة اللازمة للتعامل مع التحديات اليومية والشعور بالنشاط والحيوية، و على الجانب الآخر فإن تناول الطعام الغير صحي قد يؤدي إلى زيادة التعب والإرهاق وتدهور المزاج.
التحكم في الشهية والعادات الغذائية
تحظى الشهية بأهمية كبيرة عندما يتعلق الأمر بالعادات الغذائية والصحة العامة، فقد يؤثر التحكم السليم في الشهية على الوزن، والصحة العقلية، والصحة العامة بشكل عام، إليك بعض النصائح للتحكم في الشهية وتطوير عادات غذائية صحية:
1- تناول وجبات منتظمة: قم بتناول وجبات منتظمة على مدار اليوم، بما في ذلك وجبة الإفطار والغداء والعشاء، مع وجبات خفيفة بينها، هذا سيساعد في تلبية احتياجات الجسم الغذائية والحفاظ على مستوى السكر في الدم مستقرًا، مما يقلل من الشهية المفرطة والرغبة في تناول الوجبات السريعة.
2- تناول البروتين: يعتبر البروتين أحد العناصر الغذائية الهامة التي تشعر بالشبع وتساعد على تثبيط الشهية، و قم بتضمين مصادر جيدة للبروتين في وجباتك مثل اللحوم النباتية، والبيض، والأسماك، والألبان، والمكسرات والبذور.
3- الشرب بشكل منتظم: تأكد من شرب كمية كافية من الماء على مدار اليوم، قد تختلف احتياجات السوائل من شخص لآخر، ولكن الحد الأدنى الموصى به هو تناول حوالي 8 أكواب من الماء يوميًا، و يعتبر شرب الماء بانتظام أحد الوسائل الفعالة للتحكم في الشهية، حيث يمكن أن يساعد في ملء المعدة وتقليل الرغبة في تناول الوجبات الزائدة.
4- الاهتمام بالتغذية العاطفية: تذكر أن للطعام دور في تلبية الاحتياجات الجسدية والعاطفية، و حاول البحث عن وسائل أخرى للتعامل مع الضغوط العاطفية بدلاً من اللجوء إلى الأكل، قد تفضل ممارسة التمارين الرياضية، أو القراءة، أو الاستماع إلى الموسيقى كوسائل لتهدئة العواطف وتخفيف التوتر.
5- الاستماع للجسم: اعتن بتحسس جسدك وتعرف على علامات الجوع الحقيقي والشبع، قد يكون الجسم بحاجة إلى الطعام لأسباب عاطفية أو لتلبية احتياجات غير صحية، قم بتناول الطعام عندما تشعر بالجوع الحقيقي وتوقف عن تناوله عندما تشعر بالشبع.
التحكم في الرغبات الغذائية
تعتبر الرغبات الغذائية أحد التحديات الشائعة التي يواجهها الكثيرون في مسعى لتحسين عاداتهم الغذائية والحفاظ على وزن صحي، وعلى الرغم من أنه من الطبيعي أن يشعر الشخص برغبة في تناول مجموعة معينة من الأطعمة، إلا أن التحكم في تلك الرغبات يمكن أن يكون أمرًا مهمًا لتحقيق الأهداف الصحية، إليك بعض النصائح للتحكم في الرغبات الغذائية:
1- التعرف على الرغبة الحقيقية: قبل الوقوع في وسط الرغبة وتناول الطعام، قم بوقفة للتأمل واستفسر من نفسك ما إذا كنت حقاً جائعًا أم هناك عوامل أخرى تؤثر على رغبتك في تناول الطعام، مثل الملل أو العواطف السلبية، قد تكتشف أن الرغبة ليست حقيقية وبذلك يمكنك تجاوزها.
2- التحكم في البيئة: قم بتنظيم بيئتك المحيطة للتحكم في الرغبات الغذائية، وقم بالتخلص من المصادر المحفزة للرغبة مثل الوجبات السريعة أو الحلويات المتاحة بالقرب منك، و قم بتخزين الأطعمة الصحية والمغذية في متناول اليد واجعلها الخيار الأول عند الشعور بالرغبة في تناول الطعام، كما يمكنك تعزيز الوجبات الصحية وجعلها أكثر جاذبية عن طريق تناولها بشكل ممتع وإضافة التوابل والبهارات لإثراء النكهة.
3- تلبية الاحتياجات الغذائية: قد يكون الشعور بالرغبة في تناول الطعام نتيجة لعدم تلبية احتياجات الجسم الغذائية بشكل كافٍ، لذا حاول تناول وجبات متوازنة ومشبعة تحتوي على البروتينات والألياف والدهون الصحية، و تأكد من تناول الوجبات الرئيسية والوجبات الخفيفة في مواعيدها المحددة لمنع الشعور بالجوع الشديد والرغبة في تناول الطعام الغير صحي.
4- التعامل مع العواطف بطرق أخرى: قد يكون الشعور بالرغبة في تناول الطعام نتيجة للعواطف السلبية مثل الحزن أو الضغط النفسي، لذا حاول التعامل مع العواطف السلبية بوسائل أخرى غير تناول الطعام، مثل ممارسة التأمل، أو التمارين الرياضية، أو الاسترخاء بواسطة القراءة أو الاستماع إلى الموسيقى.
5- السماح بالمتعة بشكل معقول: لا يجب أن يأخذ التحكم في الرغبات الغذائية مساحة كبيرة من حياتنا، ولكن يجب علينا أيضًا أن نمنح أنفسنا الحرية والمرونة للاستمتاع بالأطعمة التي نحبها، حيث يمكن أن يكون للمتعة الغذائية دور مهم في رفع المزاج وتعزيز الرضا العام، لذا يمكنك أن تسمح لنفسك بتناول الأطعمة المفضلة لديك بشكل معقول وفي إطار توازن النظام الغذائي العام.
في النهاية، التحكم في الرغبات الغذائية يتطلب الوعي والتمرين المستمر، كما قد يحتاج الأمر إلى بعض الوقت والصبر لتطوير عادات غذائية صحية والتمكن من التحكم في الرغبات، و تذكر أن الهدف هو تحقيق التوازن في العادات الغذائية والاستمتاع بحياة صحية وسعيدة، لذا استمتع بالطعام بشكل متوازن واعتن بنفسك برعاية وحب.
الخرافات والحقائق حول علاقة النفسية بتغذية الجسم
تعتبر علاقة النفسية بتغذية الجسم موضوعًا مهمًا يثار حوله الكثير من الخرافات والمفاهيم الخاطئة، لذا سنلقي الضوء على بعض الخرافات الشائعة ونكشف الحقائق الحقيقية حول هذه العلاقة.
الخرافة رقم 1: “الشوكولاتة والحلويات تحسن المزاج”
حقيقة: قد يعتقد البعض أن تناول الشوكولاتة والحلويات يمكن أن يحسن المزاج ويخفف القلق والتوتر، ومع ذلك فإن هذا الزعم يعتبر خرافة، فعلى الرغم من أن السكر الموجود في الحلويات قد يعطي شعورًا مؤقتًا بالسعادة، إلا أنه يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع سكر الدم وتقلبات المزاج، بدلاً من ذلك، يجب الاعتماد على تناول وجبات متوازنة تحتوي على المغذيات الصحية التي تدعم الصحة العقلية.
الخرافة رقم 2: “الطعام الصحي ممل ولا يمكن أن يكون لذيذًا”
حقيقة: قد يعتقد البعض أن الطعام الصحي قد يكون مملًا وخاليًا من النكهة والمتعة، ولكن هذه الخرافة ليست صحيحة تمامًا، بالعكس يمكن أن يكون الطعام الصحي لذيذًا ومشوقًا بنفس القدر مثل الأطعمة غير الصحية، و يمكنك تجربة تناول أطباق مبتكرة ومتنوعة مثل السلطات اللذيذة، والوجبات النباتية الملونة، والوجبات المشوية بنكهات مختلفة، ابحث عن وصفات صحية على الإنترنت أو استشر خبيرًا في التغذية للحصول على أفكار مبتكرة لتحضير وجبات صحية ولذيذة.
الخرافة رقم 3: “التخلص من الأطعمة المفضلة يؤدي إلى الإحباط النفسي”
حقيقة: ربما يكون لديك اعتقاد أن التخلص من الأطعمة المفضلة سيؤدي إلى الشعور بالحرمان والإحباط النفسي، ومع ذلك فإن الحقيقة هي أنه يمكن أن تتمتع بالأطعمة المفضلة بشكل معتدل وفي إطار توازن النظام الغذائي، لا حاجة للتخلص الكامل من الأطعمة التي تحبها، بل يمكنك تضمينها في نظامك الغذائي بشكل مناسب وبكميات معتدلة.
في الختام، يمكننا أن نستنتج أن هناك علاقة وثيقة بين النفسية والتغذية، فالحالة النفسية للفرد قد تؤثر على اختياراته الغذائية وعاداته الغذائية، وبالمقابل، الغذاء الصحي والتغذية المتوازنة يمكن أن يسهمان في تعزيز الصحة النفسية والعافية العامة. كما أن معرفة الحقائق الحقيقية حول هذه العلاقة يمكن أن يساعدنا على اتخاذ قرارات غذائية أكثر وعيًا وصحة، كما يجب أن نسعى دائمًا لتناول وجبات متوازنة تحتوي على جميع المجموعات الغذائية الأساسية بما في ذلك الفواكه والخضروات والبروتينات والحبوب الكاملة والدهون الصحية. كما يجب أن ننظر إلى العلاقة بين النفسية والتغذية بشكل شامل، وأن نعتني بصحة عقلنا وجسمنا على حد سواء، و من المهم الاهتمام بالصحة النفسية، وممارسة التمارين الرياضية اليومية، والحصول على قسط كافٍ من النوم، وتقليل التوتر والقلق.
المصادر:
https://healthymindscenter.com/f/the-mind-body-connection-the-role-of-nutrition-in-psychology










