وقت القراءة: 6 دقائق
حِمض اللاكتيك، الذي غالباً ما يُلقى عليه اللّوم في الإحساس بالحَرقان والتّعب العضلي الذي يحدُث أثناء النشاط البدني المُكثّف، كان منذ فترة طويلة موضوعاً للنّقاش بين العدّائين والرياضيين. يُعد فَهم العلاقة بين حِمض اللاكتيك والعدّائين أمراً بالِغ الأهمّية لتحسين استراتيجيات التمرين والأداء. في هذه المقالة، سوف نستكشِف دور حِمض اللاكتيك في العدو، وتأثيراته على الجِسم، وكيف يُمكِن للعدّائين تحسين تدريبهم واستغلال فوائده.
حِمض اللاكتيك، أو اللاكتيت، هو مُركّب يُنتجه الجسم أثناء عملية التمثيل الغذائي اللّاهوائي، وهي عملية تحدُث عندما يكون إمداد العضلات بالأكسجين غير كافٍ لتلبية احتياجاتها من الطاقة. في حين أنه يرتبِط عادةً بإرهاق العضلات وألمها، فمن الضروري توضيح بعض المفاهيم الخاطِئة حول حِمض اللاكتيك.
المفهوم الخاطئ الأول: حِمض اللاكتيك يُسبّب ألم العضلات
خلافاً للاعتقاد الشّائع، فإن حِمض اللاكتيك في حد ذاته لا يُسبّب ألماً في العضلات بشكل مُباشِر، ويرجع الإحساس “بالحرقان” الذي تشعُر به أثناء مُمارسة التمارين الرياضية المُكثّفة إلى تراكُم أيونات الهيدروجين (H+) المُنتَجة جنباً إلى جنب مع حِمض اللاكتيك، حيث تعمَل هذه الأيونات على خفض درجة الحُموضة في خلايا العضلات، مما يُؤدّي إلى الشعور بعدم الارتياح والتّعب.
المفهوم الخاطئ الثاني: حمض اللاكتيك سيء دائماً
حِمض اللاكتيك لا يضُر بالأداء الرياضي بطبيعته، وفي الواقع، إنه بمثابة مصدر بديل للطاقة عندما يكون الأكسجين محدوداً، ويُمكِن أن يكون مُفيداً لفترات قصيرة من النشاط عالي الكثافة، مثل العدو السريع أو رفع الأثقال أو حتى الدفعة النهائية للسباق. ولذلك، فإن فهم كيفية إدارة واستخدام حِمض اللاكتيك أمر بالغ الأهمية للعدّائين.
الآن، سنستكشف العلاقة بين حمض اللاكتيك والعدو فيما يلي:
1- حافّة اللاكتيت
تُعتبر حافّة اللاكتيت، التي يُشار إليها غالباً بالحافّة اللاهوائية، مفهوماً حاسِماً للعدّائين، وهو يُمثّل النقطة التي يتجاوز فيها إنتاج اللاكتيت قُدرة الجسم على الخلُّص منه، مما يُؤدّي إلى زيادة كبيرة في مُستويات اللاكتيت في الدم، وغالباً ما يُؤدّي تجاوز هذه الحافّة إلى انخفاض أداء العدّاء بسبب زيادة التّعب وألم العضلات.
يُمكِن للتمرين أن يُساعِد في تحسين حافّة اللاكتيت، حيث أنه مع زيادة كثافة تمرين العدّائين تدريجياً، يُصبِح الجسم أكثر كفاءة في استخدام اللاكتيت كمصدر للوقود وإزالته من مجرى الدم، وهذا يعني أنه يمكنهم الحفاظ على سرعات عدو أعلى قبل تجاوز حافّة اللاكتيت.
2- حِمض اللاكتيك كوقود
يُمكِن أن يعمل حِمض اللاكتيك كمصدر للطاقة أثناء أداء مجهود عالي الكثافة، فعندما يُصبِح الأكسجين نادراً أثناء العدو المُكثّف، يقوم الجسم بتحويل الجلوكوز إلى اللاكتيت من خلال التحلُّل اللاهوائي، ويُمكِن بعد ذلك استخدام هذا اللاكتيت كمصدر مُؤقّت للطاقة، مما يُساعِد العدّائين على الحصول على الطاقة خلال فترات قصيرة من السرعة.
يتمتّع العداؤون الذين يُمكنهم استخدام اللاكتيت كوقود بشكل فعّال بميزة في السّباقات التي تتطلّب زيادة في السرعة، مثل سباقات المِضمار أو سِباقات السُّرعة النهائية، حيث أن التمرين الذي يُركّز على تطوير هذا المسار الأيضي يُمكِن أن يُعزّز قُدرة العدّاء على الاستفادة من حِمض اللاكتيك للحُصول على الطاقة.
3- التخلُّص من حِمض اللاكتيك
تُعد قُدرة الجسم على إزالة اللاكتيت من مجرى الدم عاملاً حاسماً في القدرة على تحمُّل العدو لمدة طويلة. ومن المُرجّح أن يكون لدى العداؤون المُدرّبون جيداً أنظمة أكثر كفاءة لإزالة اللاكتيت، مما يسمح لهم بالحفاظ على سرعات عدو أعلى قبل بالشعور بالإرهاق بشكل كبير.
يتطلّب تحسين إزالة اللاكتيت مزيجاً من التمارين الهوائية والتغذية السليمة واستراتيجيات التعافي. حيث تُساعِد التمارين الهوائية، مثل العدو لمسافات طويلة والعدو السريع، على بِناء قُدرة الجهاز القلبي الوعائي على نقل واستخدام الأكسجين، مما يُساعِد في النهاية على إزالة اللاكتيت.
4- التبايُن الفردي
من المُهِم أن نُلاحظ أن العلاقة بين حِمض اللاكتيك والعدو هي علاقة فردية للغاية، حيث يختلف العداؤون في حافّة اللاكتيت ومُعدّلات إزالة اللاكتيت والقُدرة على استخدام اللاكتيت كوقود، وتلعب الوراثة وتاريخ التمرين والتغذية دوراً في تحديد هذه العوامل.
الآن بعد أن اكتشفنا العلاقة بين حِمض اللاكتيك والعدو، دعونا نُناقش كيف يُمكِن للعدائين تطبيق هذه المعرفة على تدريبهم وأدائهم.
1- التمرين المُتناوب
يتضمن التمرين المُتناوب التناوب بين فترات العدو عالي الكثافة والتعافي، وهذا النوع من التمرين فعّال في تحسين قُدرة الجسم على تحمُّل اللاكتيت وإزالته، إذ أنه من خلال دفع الأداء بشكل مُتكرّر قريباً من حافّة اللاكتيت الخاصة بهم خلال فترات زمنية، ويُمكِن للعدائين رفع حافّة اللاكتيت لديهم وتحسين أدائهم في السباقات الأطول.
2- العدو الإيقاعي
تتضمن جولات العدو الإيقاعي الركض المُستمِر بوتيرة أقل قليلاً من عتبة اللاكتيت، حيث تُساعِد هذه التمارين العدائين على زيادة السرعة التي يُمكنهم العدو بها دون تراكم اللاكتيت الزائد، وتُعد جولات العدو الإيقاعي مُفيدة بشكلٍ خاص لتحسين القُدرة على التحمُّل وسُرعة السباق.
3- التغذية والترطيب
إن التغذية السليمة والترطيب ضروريان لتحسين استخدام اللاكتيت والتخلُّص منه، ولأن الكربوهيدرات هي مصدر الوقود الأساسي للعدو، فإن استهلاك الكربوهيدرات قبل وأثناء العدو الطويل يُمكِن أن يُساعِد في تأخير تراكُم اللاكتيت، كما أن الحفاظ على رطوبة الجسم بشكل جيد يدعم أيضاً عمليات التمثيل الغذائي الشاملة.
4- استراتيجيات التعافي
يُمكِن أن تُساعِد استراتيجيات التعافي الفعّالة، مثل تمارين التمدد بعد العدو، والتدحرج باستخدام اسطوانة الفوم، والتدليك، في تقليل ألم العضلات المُرتبِط بتراكُم حِمض اللاكتيك، كما أن الراحة والنوم الكافيان لهما نفس القدر من الأهمية للسماح للجسم بالتعافي والتكيُّف مع مُتطلّبات التمرين.
5- خطط التمرين الفردية
إدراكاً لحقيقة أن للعدائين مُستويات مُختلِفة من اللاكتيت، فمن الضروري اتّباع خُطط تمرين فردية مُخصّصة لكل عدّاء بشكل خاص، حيث يُمكِن للمدرب أو عالم الرياضة إجراء اختبار حافّة اللاكتيت لتحديدها لدى كُل عدّاء وتمرينه وفقاً لذلك.
الخُلاصة
إن حِمض اللاكتيك ليس عدواً للعدائين، بل إنه مُنتَج ثانوي طبيعي لإنتاج الطاقة أثناء مُمارسة التمارين الرياضية المُكثّفة. إن فهم كيفية العمل مع حِمض اللاكتيك، وليس ضدّه، يُمكِن أن يُؤدّي إلى تحسين أداء العدو والحُصول على تجربة تمري أكثر متعة. من خلال دمج التمرين المُتناوب، والعدو السريع، والتغذية السليمة، وخطط التمرين الفردية، يُمكِن للعدائين الاستفادة من فوائد حِمض اللاكتيك وتجاوز حدودهم في السعي لتحقيق أهدافهم في العدو. إن تبنّي العلم وراء حِمض اللاكتيك يُمكِن أن يحوله من عدو إلى حليف قيّم للعدائين الذين يسعون للوصول إلى إمكاناتهم الكاملة.
تعليقات